Tuesday, June 26, 2012

قهوة سادة


- قهوة سادة لو سمحت.
ينظر باستغرابٍ و يؤكد على طلبي..
- سادة؟؟
- آه سادة!

بالأمس تتعجب أمى من عشقى للسكر.. اليوم.. كل جرسونات المقاهي يتعجبون لطلبي القهوة السادة، يرمقوننى نظرةَ استغرابٍ لا أفهمها و أغرق فيها كثيرًا فى كل مرة.. و يغيبون/ الآن أكره السكر و أعشق المرارة فى كل شىء.. القهوة بالذات/ القهوة لا شىء.. محضُ طريقٍ قصيرٍ للغرق فى غيابي لا أكثر، تذكرةُ انطلاقٍ فقط، كان من الممكن أن أستبدلها بأي شىءٍ آخر.. و لكن علاقة ما نشأت بيننا، لا اخترتها ولا فعلتْ!

- ماما.. عاوزة سُكَّرْ
- سنانك هتوجعك
- مش مهم.. مليش دعوة عاوزة سكر!

لم يكن الخوفُ من الألمِ قد اتَّخذَ شكله الحقيقيّ بعد فى مقابل رغبتها فى "حبة سكر"، أو ربما إن كل شيءٍ كان فى شكله البسيط جدا.. الخوفُ خوف.. الألم ألم.. الحب حب.. السكر سكر.. و المرُّ مرّ!

قلبي لم يعد قادرًا على استقبال أي شىء؛ الصديق الذى أتى مصادفةً تعجب أيضًا من طلبي، تحدثنا قليلا، و صمتنا طويلا، راقبنا الآخرين كأننا لسنا منهم.. عابرو حياةٍ لا أكثر، دونَ وداعٍ افترقنا كأنَّا لم نلتقِ!

لماذا تتبدل الرؤي هكذا.. الهادئة المطيعةُ المرحةُ الضاحكةُ أبدًا العاشقةُ للسكر.. أين؟ من هذه؟ الغريبةُ الغامضةُ الصامتةُ أبدًا العابسةُ العاشقةُ لمرِّ القهوة! كيف نتبدل؟ من يعصرُ القلبَ بإصبعيهِ فلا يعود قادرًا على تنفس الحياةِ كما يجب؟ هذا الاستنزافُ فلا نفَسَ يتحمل شقَّ طريقهِ بين صخرتين!

سأم من كل شيء.. لا أبالغ أيضًا لو قلتُ "كرهٌ لكلِّ شيء؛ لا تشغلنى صورتى غدًا أو كيف ستكون، و لكن دائما ما تتكرر صورةٌ واحدة.. وحيدةٌ سيجارةٌ و فنجان قهوةٍ بدون سكر فى ركنٍ بعيدٍ جدًّا من حياةِ لا أحد، و أنِّي سأموتُ قريبًا -لا أعرفُ إن كانت هذه الأخيرةُ يقين ما أو مجرد أمنية- أحب هذه الصورة رغم ما تبدو عليه من بؤسٍ -ربما- للآخرين!

- الحياة دايرة!
- يعنى تفتكر هرجع أحب السكر تانى؟
- ...
- حلمت بيك امبارح!
-لم أخبره أنى أحلم بالجميعِ إلاي- ابتسم قليلا.. و افترقنا، كأنَّا لم نلتقِ!

Sunday, June 24, 2012

-3-



"هكذا سوف ينتهى كل شىءٍ ببساطةٍ شديدة!" قالتْ له ذلك و استدارت إلى الحائط  بيدها لا شىء، و بقلبها الكثير من الخواء؛ لماذا نحنُ هنا أصلا؟ السؤال ليس عن سبب الوجود/ الخلق/ الآلهة، هو فقط سؤال أبسط من رغبةِ طفلٍ فى انتهاءِ واجبه المدرسي قبل ميعاد نومه بساعةٍ واحدةٍ ليري العالم أوضح و أبعد مما يفرضهُ عليه الآخرون؛ لماذا كل هذا الخواء الذي لا يملأه شيء؟


محاولةٌ واحدةٌ للانتحارِ لا تكفي/ عليك أيضًا تجربةَ الحياةِ ككيميائيٍّ لا يعاني انفجارًا فى رأسهِ لأن الحرارةَ كانت أكثر مما ينبغي، لا كشاعرٍ يتشظَّي تمامًا لو انقطعَ الوحي لضعفٍ فى سمعِ سائق الميكروباص، الذباب وحدهُ يعرفُ معني ما أقول!


أكثر ما يثير غضبي هو يقيني بغياب النهايةِ، لا أعرفُ السبب ولا يهمني أيضًا، كل ما أنا علي يقينٍ منه.. هو أنه لا نهايةَ لشيء، خروجٌ واحدٌ للوجودِ يكفي لأن تسجن فيه إلي أبد! لماذا لم يكن هناك خيارٌ ما، خيارٌ واحدٌ متاحٌ لنا، واحدٌ فقط على طول حياتنا كاملةً، كأن يكون لنا أن نختار مثلا بين أن نكمل الحياة كما هي.. راضين بالخلودِ فيما لا نعلم، على سبيل المغامرةِ أو الإيمان، أو العودة تماما لما قبل الخلق.


للشاعرِ أن يهربَ من صخبِ أغنيات سائق الميكروباص و إنهاء قصيدته.. ولكنه لا يفعل!


يحاولُ احتضانها.. فتنفجر!

Saturday, June 9, 2012

(2)




- أتذكَّرُكِ جيِّدًا .. حينما تكونينَ فى كاملِ ترتيبِ ملامحكِ التى تحافظينَ عليها دائمًا فى عبثها السوريالىّ جدًّا لتختبئينَ من عفويَّةِ مرورِ الوقتِ على صباحاتِكِ الثائرة، ألفُ عامٍ مرَّت علينا فى جلستنا هذه.. ألف عامٍ، و كلما مرَّ الوقت الذى تدعين وهميته .. إزداد تكوُّرُكِ على نفسكِ و التفافكِ على ما تخافينَ عليه من تلك النظرةِ الداهشة الذاهلةِ عن كلِّ شىءٍ .. و الممعنةِ فى كلِّ شىء، ربَّما اعتقدتُ يومًا أنه سيحينُ الوقتُ الذى تنفكين فيه و تطلقينَ أبوابَكِ للريح .. و تمكثينَ لساعتينِ كطفلةٍ تحيكُ فستانًا جديدًا لغدها الذى لا تنتظره.. تعشقينَ البردَ اعرفُ، لكنَّما المساءات جميعها تعترفُ بغطاءٍ واحدٍ على الأقلِّ لأشباحِها.. ربما لتحفظَ بعضَ التشويقِ لغدها و ربما لتطولَ حكايةَ الجنياتِ الثلاث على نافذةِ جدَّتِك، ألا تشتهينَ الغدَ/الأمسَ .. ألا تشتاقين لدفءِ المساحاتِ الضيقة؟؟؟
- فقط حينما يكونُ الصِّفرُ قيمةٌ قابلةٌ للتجزئة .. و كلُّ المسافاتِ خلفهُ .. موجبة!

الطريقُ قصيرٌ حدَّ اختناقِ الخطوةِ، و طويلٌ حدَّ انهاكها/ هل يعنى امتزاجنا بما نفعل أن تنحل خلايانا شجرةً شجرةً لتصيرَه؟ هل تستطيعُ-هى- أن تكونَ كبطاقةِ هويَّتِه؟ قريبةٌ .. ممتلئةٌ .. فارغةٌ .. صامتةٌ .. حاضرةٌ .. ساخطةٌ عليه / على جيبهِ الضيق جدًّا على أرقامِها/ على دمهِ الصاخبِ يمنعها من ارتكابِ حلمٍ واحدٍ بالتحرر من إطارها / على قلبِه الثلاجةِ المقيمةِ فى صدرهِ ؟
- رائحتُكَ لا معنى لها / كم مرَّةً متَّ قبلَ الآن؟
- الوقتُ يحترق!
- كم مرَّةً متّ قبل الآن؟
- الطحالبُ تقترب!
- كم مرَّةً متّ قبلَ ...
- لابد من تلميعِ السيوفِ جيِّدًا.. هذى جيوشٌ لا تعرفُ التسليمَ أبدا!
- كم مرَّة مت ..
- لقلوبِهم مذاقُ التراب.. أينَ المملحة؟
- كم ... مرَّةً !
- حينما تمارسَ ذاتك المجردة سوى من الآخرينَ لا تبحث عما يزيد شهيتهم تجاهك.. الجوعى  يغتفرونَ غيابَ الملحِ جدًّا/ لستُ جائعًا.. أحتاجُ الكثيرَ من الملح!
- كم.. ؟
- الكثير!