Saturday, March 29, 2014




خمسة أعوامٍ أدرب نفسي على الفشل في الإبقاءِ على أي شيء، كأن تتخلَّى عن كل شيءٍ تماما، لتصدق -بنسبة لا تستحق كل ذلك- قدرتك على هزيمةِ الثقوب الكبيرة في القلب؛ بيدين فارغتين و كائن مجوف، أربِّي الكثير من الطحالب لمنع تسرب الصفر المؤجل لتصديق حقيقي.

الله لا يحب أحدًا، هو يحب نفسه فينا؛ نحن لا نحب أحدا، نحن نحب أنفسنا في الآخرين؛ هذه المقارنة جاهلةٌ و ضيقة، و لكني أيضًا لن أنفيها، إذ إن حضورها برأسي يثبت احتمالية حقيقيتها بطريقة ما. 

لذا احتضنوا أنفسكم جيدا، و املأوا فراغات أرواحكم بما لا يزيد اتساعها؛ الواحدية للقادرين عليها، إذ أن الخلود وحده كافٍ جدا لفقدان الأمل في كل شيء؛ لإلهٍ يجرب خلقه الأول علينا أن نكون أكثر رحمةً في حكمنا.

و كعَرَضٍ جانبيٍّ، لم أعد أستطيعُ البكاءَ/ الخوفَ/ الانتظارَ/ القلق، أنا جافَّةٌ تماما.. كـ صحراء... و مؤجلةٌ.. لغربةٍ كاملة.


Sunday, March 16, 2014

الجيل الأكثر بؤسًا



نحن الذين لم نقبض على ما كنا عليه، و لا يقبض علينا ما صرناه قسرا

الجيل الذي شهد هذا التحول المريع في كل شيء، في الوقت ذاته، عليه بكل ما يستطيع أن يتلون كحرباء ليتفادى الغربة الناتجة عن سرعة خطى العالم من حوله؛ نحن الذين ولدنا على لا شيء، ولدنا على عمى وجودي  مريح و ملائم لهدوء العالم حينها، ولدنا على رتابةٍ صدَّقنا دوامَها؛ كبرنا قليلا لتقتحم حياتَنا الضيقةَ مفرداتٌ قليلة جدا، رحبنا بها ملء قلوبنا و تَعَلَّقنا في ذيولها كأطفال تائهين، مثلا، الاستيقاظ في التاسعة صباحا على "كارتون الفواكه" على القناة الثانية، أو سينما الأطفال يوم الجمعة على القناة الأولى، وصوت برامج الراديو. من يقاوم حكة القلب هذه عندما يتذكر كل ذلك!؟ و رغم كل الأسى الذي نعايشه الآن فإنا لن نستطيع -لو خُيِّرنا- العودة إلى رحابة الأمس.

نحن بائسون جدا، منخرطون في حرب لم نخضها، قاتلين و مقتولين بلا مبرر واضح لأي شيء، منفتحون على العالم حتى انكشف بؤس العالم كله و تمركز بداخلنا، في الحين الذي تكشفت فيه تماما معالم الحياة الكاملة، الحياة الفكرة، المثال الكامل لكل شيء؛ نحن هنا.. كل على سريره يحتضن جهاز اللابتوب أو الموبايل لتصله بلا أية محاولة بسيطة كلُ مسببات الوجع و الإحباط و الكآبة الكاملة، و يستقبلها بصدر رحبٍ و مصمصة شفاهٍ.. و قلب أدمن كل ذلك.

الحقيقة، بشكل ما، أن العالم لم يقبح فجأةً، و أنه لو جاز الإقرار بحقيقة بقاء الأقدر على التكيف، فإن العالم -كنتيجة طبيعية- لن يتحرك إلا في اتجاه نقصه -ونقصنا- المستمر، إذ أن التكيف مع خلل ما -أو حتى اختلاف ما- يستلزم بطبيعة الأمر تشوهًا نفسيا -و جسديا- ملائما، فالأقدر على التكيف هو الأكثر -بالضرورة- خللا أو -بتقديرٍ آخر- جهلا بذلك الخلل؛ لكن قبل الآن لم تكن لدينا الفرصة لمتابعة انحداره بهذا الشكل، لم يكن القبح و القسوة في متناولنا أصلا، كانت تحدث في مكان ما، و في كل وقت، فقط لم نكن نشاهدها بهذا التتابع و عن هذا القرب كالبرامج المباشرة و التي شئنا أو لم نفعل، فإننا مجبورون على مشاهدتها مقطوعي الأيدي و الألسنة.

ربما لو بقينا على ما كنا عليه لم نكن لنكتسب كل هذا الكم من التشوه النفسي؛ واقفين على حافة كل شيءٍ، كلٌّ يرتق قلبه بمعجزةٍ كاذبة. لا استطعنا التخلص مما ترسب فينا من نصف عمرنا الأول في تلك البلاهة و البساطة أيضًا، و لا نستطيع التخلص الآن مما ألقاه العالم على رؤوسنا من مخلفات تجاربه و مسوخه الناتجة. لا نحن كجيل يسبقنا مر مسرعا فلم يسقط في هوة التحول هذه، و لا من هم بعدنا ابتدءوا حياتهم هكذا أصلا فلن يلاحظوا كثيرا؛ نحن.. لا إلى هؤلاء و لا إلى هؤلاء، حاملين ما أورثنا كلّ شيء من أمراض تغيرات المناخ و العالم.. وحدنا.. نحارب لنبدو طبيعيين لمن لن يفهم كل ذلك.
ثم نختتم معاركنا دائما بجملةٍ كهذه.. لئلا نبتئس أكثر:
"*Nobody wins, each looks after his own wounds"


______________
*la belle noiseuse