- قهوة سادة لو سمحت.
ينظر باستغرابٍ و يؤكد على طلبي..
- سادة؟؟
- آه سادة!
بالأمس تتعجب أمى من عشقى للسكر.. اليوم.. كل جرسونات المقاهي يتعجبون
لطلبي القهوة السادة، يرمقوننى نظرةَ استغرابٍ لا أفهمها و أغرق فيها كثيرًا فى كل
مرة.. و يغيبون/ الآن أكره السكر و أعشق المرارة فى كل شىء.. القهوة بالذات/
القهوة لا شىء.. محضُ طريقٍ قصيرٍ للغرق فى غيابي لا أكثر، تذكرةُ انطلاقٍ فقط،
كان من الممكن أن أستبدلها بأي شىءٍ آخر.. و لكن علاقة ما نشأت بيننا، لا اخترتها
ولا فعلتْ!
- ماما.. عاوزة سُكَّرْ
- سنانك هتوجعك
- مش مهم.. مليش دعوة عاوزة سكر!
لم يكن الخوفُ من الألمِ قد اتَّخذَ شكله الحقيقيّ بعد فى مقابل رغبتها فى
"حبة سكر"، أو ربما إن كل شيءٍ كان فى شكله البسيط جدا.. الخوفُ خوف..
الألم ألم.. الحب حب.. السكر سكر.. و المرُّ مرّ!
قلبي لم يعد قادرًا على استقبال أي شىء؛ الصديق الذى أتى مصادفةً تعجب
أيضًا من طلبي، تحدثنا قليلا، و صمتنا طويلا، راقبنا الآخرين كأننا لسنا منهم..
عابرو حياةٍ لا أكثر، دونَ وداعٍ افترقنا كأنَّا لم نلتقِ!
لماذا تتبدل الرؤي هكذا.. الهادئة المطيعةُ المرحةُ الضاحكةُ أبدًا
العاشقةُ للسكر.. أين؟ من هذه؟ الغريبةُ الغامضةُ الصامتةُ أبدًا العابسةُ
العاشقةُ لمرِّ القهوة! كيف نتبدل؟ من يعصرُ القلبَ بإصبعيهِ فلا يعود قادرًا على
تنفس الحياةِ كما يجب؟ هذا الاستنزافُ فلا نفَسَ يتحمل شقَّ طريقهِ بين صخرتين!
سأم من كل شيء.. لا أبالغ أيضًا لو قلتُ "كرهٌ لكلِّ شيء؛ لا تشغلنى
صورتى غدًا أو كيف ستكون، و لكن دائما ما تتكرر صورةٌ واحدة.. وحيدةٌ سيجارةٌ و
فنجان قهوةٍ بدون سكر فى ركنٍ بعيدٍ جدًّا من حياةِ لا أحد، و أنِّي سأموتُ قريبًا -لا أعرفُ إن كانت هذه الأخيرةُ يقين ما أو مجرد أمنية- أحب هذه الصورة رغم ما
تبدو عليه من بؤسٍ -ربما- للآخرين!
- الحياة دايرة!
- يعنى تفتكر هرجع أحب السكر تانى؟
- ...
- حلمت بيك امبارح!
-لم أخبره أنى أحلم بالجميعِ إلاي- ابتسم قليلا.. و افترقنا، كأنَّا لم
نلتقِ!