عشرون عاما أقطّع أطراف اللغة وأبكي، لم أكن أبكي عندما كنت طفلةً، قالت أمي، كنتُ أحدق في السقف طويلا كمن يبحث.. يبحث.. يبحث، بكيت لما عرفت أني لم أجد شيئا، بكيت لما سقط الوقت من يدي في البحث ولم يشدني أحدهم قبل أن تزل قدمي على عتبة الهاوية، وسقطتُ ولم يكن شيء غيري، أتخبط في داخلي فقط، داخلي جدران الهاوية وظلام ربيته لئلا أرى ضيق المكان أكثر، وجثث كثيرة، جثث كثيرة بداخلي، أنا/داخلي قبرٌ، تحرسه أشباه الحقائق، وغياب اليقين، داخلي قبرٌ ويدي صلبةٌ، كلما لم أستطع أن أقبض على شيء قتلته، واحتفظت بجثته، بداخلي، قبرٌ، أعلق على أبوابه أطراف اللغةِ وعجزي عن تربية غيرها، وصمتي الطويل الطويل الطويل، كيف يفقد أحدهم شيئا لم يكن لديه أصلا، لم يعلموني لغةً كاملة، اللغة قبرٌ وأنا أيضًا؛ نجلس معا كجثتين، ونبكي رائحة الموت المقيمة.
كنتُ أصلي، كنتُ أصلي وأبكي، كنتُ أصلي وأبكي وأرى الله يبتسم، ولا يجيب، كنتُ أصلي أن يهبني الله لغةً أوسع من جسدي، ورأيتُ الله يبتسم، فسلمتُ وتعلقت بيده وذهبنا، خلعت عن قلبي اللغة والصلاة والبكاء والإيمان وتعلقت بيده.. وذهبنا؛ داخلي قبرٌ والله قبرٌ واللغةُ قبرٌ، نجلس ثلاثتنا الآن كأفكار مجردةٍ في رؤوس بعضنا، نحدق في العالم ولا نرى شيئا، نحدق في العالم برؤوس فارغة تماما، كقبور أخرى، ولا نبكي.