Friday, February 5, 2016




يضع الله أذنه على باب العالم، ويشير بسبابته ليقطع شماتة الملائكة، بينما ينكسر الباب فجأة باندفاعٍ هائل ويتلون وجه الله -فقط- بالأحمر؛ هذه فرضيةٌ قديمةٌ ومضجرة، لكنها مرضيةٌ إلى حد كبيرٍ لنجنّب أنفسنا لومًا لا يخصنا. غير أني لا أرسم من أحب، وإن كان الأحمر ملائما للفكرة، وإن كنتُ -أصلا- لا أحب أحدا، غير أني لا أستطيع النظر إلى وجه أحدهم بما يكفي لرسمه، الفكرة مزعجة، كأن تخسر نفسك للحظةٍ وتكونه، وأنا لم أجد شيئًا، لأستطيع خسارته؛ ثم طريق طويل لأجد مرآةً صادقة، أعرف أني لو فعلتُ لجلست أسفلها تماما وبكيت، قبل أن أرى شيئًا.

أحلم بدالي لمرة أولى، لم يكن الحلم سرياليا بما يكفي، لم نتحدث عن الرسم إلا قليلا، بعد أن تسببت في قتل أحدهم، ضحك وقال لي: "استخدمي الموت أكثر".. أعطيته ليمونةً وقلم رصاص ولوحة فارغة، وانتظرت؛ أفكر في التوقف عن استخدام مفردة الانتظار يوما. هذه الألفة لا تحدث إلا في أوقات الوحدة، أصغر قيمةٍ لحد الغربةِ لا تكون إلا في الوحدة، لهذا أربي وحدتي، حتى انفجرت وذاب وجهي، ثم لم تختفِ الغربة؛ ثمة حد ناقص في المعادلة؛ في الحلم ضحك دالي بهيستيرية غريبة حتى كاد شاربه أن يتكسر وقال "أنا لا أعرف، فقط أريد".

وأنا لا أعرفُ ما أريد، ولا أريدُ شيئًا، وليس لدي شيءٌ، ولا أريد أن يكون لدي شيء، هل جربت أن تسير حتى تختفي قدماك تماما؟ نصف ساعةٍ أولى -ربما أقل أو أكثر- ويبدأ الألم خفيفًا، كريحٍ طيبةٍ، ثم يكبر، يربّي أطرافا ومخالب وأسنانا وشوكًا على جلده، جلده المترامي تحت جلدك كله والملتصق به؛ ساعتان، ثلاث ساعات -ربما أكثر أو أقل- ثم يبدأ في الضمور، ويختفي، لكنه لا يختفي وحده، بل معه يضيع جسدك، أنت.. الآن.. وحدك، بلا وجهٍ، بلا جسدٍ، بلا رغبةٍ، وبلا ألم، هل تستطيع وضع تعريفٍ لكائنك الجديد؟ أنا لم أستطع.


فريدا، إلى اليسار، تشغل ثلثي فراغ اللوحة، بشارب دالي، وثقبٍ كبير في وجهها، يخرج منه ثعبانٌ كارتوني إلى حد ما، ليلتف على عنق صورة فريدا الناقصة إلى اليمين، من عنق الأولى يخرج قرن خرتيتٍ ضخم؛ كان دالي يقول بأن العالم مصنوعٌ من قرون الخراتيت كوحدات أصغر مكونة للكل، الحقيقة أنه لم يكن يرسم قرون خراتيت فعليا، لكنه كان يقذف بقصيبه في وجه العالم، كما قال أيضًا، لا أعرف لماذا، لكنه كان مدَّعيا كبيرا، ولسبب ما كان عليه أن يضع واحدا في عنق فريدا بشكل عرضيّ. فريدا بشالها الأخضر إلى اليسار، ووجهها المثقوب، وشارب دالي، والظلام الكثيف، لم تكن تنظر بطريقةٍ إلى مسخها المقابل لها، كانت تفكر معي في المعتوه الذي يعيد تصنيع العالم بالكثير من قرون الخراتيت أو القضبان كما يرى، وترتب معي لقتله، وإعادة رسم اللوحة بترتيبٍ جديد، يناسب أوجاعنا معا، ويضع جانبا جنون سلفادور الذي يقفز حولنا كمهرجٍ أبله.. ويضحك.. يضحك فقط.