(3)
كنَّا
صغارًا.. نقشِّرُ جراحنا و نبتسم لألمِها الأبيضَ ظانين أن التئامَ الجرحِ أسرعَ
من سقوطِ الطائرةِ، و أن الجرحَ أقل ألمًا من ضياعِ قلمٍ ملوَّن.. التئم اللون
تمامًا و تفشى الجرح في الذاكرةِ.. و ندوب التقشيرِ هنا لازالت، لتحرقَ سذاجتنا كل
يومٍ و تنشر رائحةَ الموتى!
- مارسنا السذاجة بطفولةٍ.. و نمارس
الطفولةَ بسذاجة!
- فقط لو أربطُ الذاكرةَ بجرحٍ قديمٍ
فيبتلعاني معًا؛ أنتَ ندبةٌ باقيةٌ فى الذاكرةِ لا أكثر.. أقشرها كل يومٍ فتنزف و
تولد مرة أخرى أوسعَ و أكثر ألمًا.
- و أنتِ؟
- ندبةٌ أكثر سخفًا!
..... كنَّا صغارًا.. نقشر جراحنا ظانين
أن تحت الجرح كنز، و أن الدم حضن الغائبينَ و رسائلهم الدافئة، نغوص بإصبعٍ في
الجرحِ أكثر.. ننتشي بالوجعِ و بدفء سيلان الدم علي أحلامنا الباهتة..
"لماذا لا يكون دمي أزرق
كالسماء؟" تسألُ صديقتي فأقول "الأزرق بعيدٌ يا غبية، و الموتى قريبون..
قريبون حد التصاقنا بهم، و الدفءُ أحمر.. الدفءُ أحمر!"
لماذا تضيق
العبارةُ يا عبد الجبار*؟ لماذا قلتَ ذلك؟ ربما لو لم تقلها لم تكن.. ربما!
ضاقت حتى
الخرسَ يا عبد الجبار.. و ضاق القلبُ على الرؤيةِ أيضًا، ماذا لو بقينا علي
بلاهتِنا؟ ربما بقيَ الدمُ حضن الغائبينَ و لم يزرق دمي.. ربما ارتحنا إلى الأحياء
أكثرَ/ ربما اشتهينا الأرضَ أكثر/ ربما لم تمت صديقتي بتخمةٍ في اللون و لم تنخزني
لنعتها بالغبية/ ربما انغلقت مسارات الاحتمالاتِ تمامًا و نمنا لمرَّةٍ في غفلةٍ من ضمائر اللغة/ ربما
مارسنا أنفسنا بالبساطة اللازمةِ لذلك/ ربما بقيتْ جراحنا كما كانت تغلفُ نفسها
بالشهوةِ لنقشرها و ننتشي، و لم تتسع لتقشرنا هي كل يومٍ و تضحك/ ربما...
ضاقَ الحرفُ
يا عبد الجبار.. ضاق!