Thursday, April 18, 2013

كلما اتسعت الرؤيةُ...

(3)

كنَّا صغارًا.. نقشِّرُ جراحنا و نبتسم لألمِها الأبيضَ ظانين أن التئامَ الجرحِ أسرعَ من سقوطِ الطائرةِ، و أن الجرحَ أقل ألمًا من ضياعِ قلمٍ ملوَّن.. التئم اللون تمامًا و تفشى الجرح في الذاكرةِ.. و ندوب التقشيرِ هنا لازالت، لتحرقَ سذاجتنا كل يومٍ و تنشر رائحةَ الموتى!

- مارسنا السذاجة بطفولةٍ.. و نمارس الطفولةَ بسذاجة!

- فقط لو أربطُ الذاكرةَ بجرحٍ قديمٍ فيبتلعاني معًا؛ أنتَ ندبةٌ باقيةٌ فى الذاكرةِ لا أكثر.. أقشرها كل يومٍ فتنزف و تولد مرة أخرى أوسعَ و أكثر ألمًا.

- و أنتِ؟

- ندبةٌ أكثر سخفًا!

..... كنَّا صغارًا.. نقشر جراحنا ظانين أن تحت الجرح كنز، و أن الدم حضن الغائبينَ و رسائلهم الدافئة، نغوص بإصبعٍ في الجرحِ أكثر.. ننتشي بالوجعِ و بدفء سيلان الدم علي أحلامنا الباهتة..
"لماذا لا يكون دمي أزرق كالسماء؟" تسألُ صديقتي فأقول "الأزرق بعيدٌ يا غبية، و الموتى قريبون.. قريبون حد التصاقنا بهم، و الدفءُ أحمر.. الدفءُ أحمر!"

لماذا تضيق العبارةُ يا عبد الجبار*؟ لماذا قلتَ ذلك؟ ربما لو لم تقلها لم تكن.. ربما!

ضاقت حتى الخرسَ يا عبد الجبار.. و ضاق القلبُ على الرؤيةِ أيضًا، ماذا لو بقينا علي بلاهتِنا؟ ربما بقيَ الدمُ حضن الغائبينَ و لم يزرق دمي.. ربما ارتحنا إلى الأحياء أكثرَ/ ربما اشتهينا الأرضَ أكثر/ ربما لم تمت صديقتي بتخمةٍ في اللون و لم تنخزني لنعتها بالغبية/ ربما انغلقت مسارات الاحتمالاتِ تمامًا  و نمنا لمرَّةٍ في غفلةٍ من ضمائر اللغة/ ربما مارسنا أنفسنا بالبساطة اللازمةِ لذلك/ ربما بقيتْ جراحنا كما كانت تغلفُ نفسها بالشهوةِ لنقشرها و ننتشي، و لم تتسع لتقشرنا هي كل يومٍ و تضحك/ ربما...

ضاقَ الحرفُ يا عبد الجبار.. ضاق!