كيفَ يبدأون أحاديثهم الطويلة؟ وماذا يقولون؟ كيف يستطيعُ أحدهم أن يستمر في حديثٍ، لا عن شيءٍ، لأكثر من عشر دقائق؟ كيف يخترقون حواجز البوحِ والصمتِ ويبدأون بسردِ كل شيءٍ بهذه البساطة؟
كلما تعمق لديّ الشعور بالغربةِ، أفكر أكثر.. كيف أتعلم لغةَ الآخرين؟ وبعد خطوتينِ فقط أعرف أن الغربةَ تتعمق أكثر؛ طالما حاولتُ تدريبَ نفسي على البوح، أن أمسك بهاتفي ببساطةٍ جدا.. أتصل بأحدهم.. ثم "أحكي" .. الاحتمالاتُ حينها تردني قبل حتى أن أحدد بمن سأتصل، ربما كان سعيدا الآن، بما سيؤلمني لو تحدثت عن غربتي والضجر المرافق وقسوة الوجود وثقل الخطوة، ربما كان لديه من السخف ما يكفيه أصلا، وربما آلمني حديثي أنا أكثر مما كنت قبله.. وربما أيضًا.. لن أستطيعَ الحكي أصلا
دائرتي تضيقُ بشكل غريب، أكثر من أي وقتٍ مضى، في الوقت ذاته الذي أتمنى ألا يحدث فيه ذلك، تماما كرغبتي في البكاء رغم ما يعتقده الآخرونَ عني، أني -كما قالت أختي- كالديناصور لا شيء يستطيع أن يجعلني أبكي، أو لأنهم لن يعرفوا أني لن أستطيع الحكي، أنا التي تقصُّ "الحكايا" و "الحواديت" منتشيةً جدا بنظرةِ الدهشةِ والترقب حين أحكي، هم لا يعرفونَ أني أحكي جزءًا مني دائما بكل "حكاية" أو "حدوتة" ربما لأني لا أعرف غيرها كما قالت فريدا عن رسمها لنفسها دائما، أو لأني لا أعرفني تماما فأحاول أن أراني من بعيد كل مرة.
أولئك الذين يتساقطونَ في كل خطوةٍ، خوفا أو تخففا، أود أن اعتذر لهم.. ولنفسي...
أولئك الذين يتساقطونَ في كل خطوةٍ، خوفا أو تخففا، أود أن اعتذر لهم.. ولنفسي...